قبل أن نتحدث عن فسلجة الإدراك وكيفية حصوله علينا قبل ذلك أن نتعرف على الآلة أو العضو المسؤول عن الإدراك ألا وهو الدماغ.
الدماغ هو ثالث أكبر عضو في الجسم بعد الجلد والكبد وأكثرها استهلاكاً للطاقة ويبلغ وزنه (1,3كغم) ويتكون من (100 مليار) خلية عصبية ترتبط فيما بينها بـ (100 ترليون) وصلة عصبية تنقل الإشارات الكهربائية العصبية بينها بسـرعة تفوق ألف متر في الثانية الواحدة (أسرع من الرصاصة بثلاثة أضعاف) وينظّم عملية انتقال الإشارات العصبية (60) مركباً كيميائياً تسمى النواقل العصبية التي تعمل كمفاتيح كهرباء تسمح بانتقال الإشارات العصبية بين الوصلات العصبية.
ويتكون الدماغ من عدة أجزاء هي: النصف الأيمن والنصف الأيسـر والمخيخ وجذع الدماغ.
النصف الأيمن والنصف الأيسـر ينقسم كل منها إلى أربعة فصوص هي:
ويرتبط النصفان من خلال تركيب اسمه قرن آمون.
ولكل جزء من الدماغ مهام وواجبات كثيرة لم يتوصل العلم لغاية اليوم إلى اكتشافها بأكملها. ومنها تحكّمه في وظائف بقية الأعضاء وكذلك سيطرته على الجهاز الحركي وإدارته لكافة الحواس في جسم الانسان وغيرها مما لا يحصـى لكننا سنختصـر الحديث ونتكلم عن وظيفة مهمة وهي الإدراك.
لعل أبسط تعريف للإدراك هو عملية تعرّف الفرد على محيطه الخارجي والداخلي والتفاعل معه بما يناسبه من أفعال وسلوك ومشاعر.
وتساهم الحواس (البصـر، السمع، اللمس، الشم، الذوق، التوازن، ..... الخ) في توفير المعلومات الضرورية للإدراك. وبفضل الدماغ يستطيع الانسان إدراك ما يراه من صور وما يسمعه من أصوات وما يشمه من روائح وما يتذوقه من طعام والشعور بالحرارة والبرودة والتوازن والألم والملمس والحركة ووضع الجسم والزمن .. الخ.
مثال لتقريب الفكرة:
الإدراك يمكننا من تمييز ما نمسكه بأيدينا إن كان صخرة أو دجاجة أو قطة أو دمية وكي ندرك ذلك فان الحواس والدماغ تقوم بملايين العمليات المعقدة جداً في أجزاء صغيرة جداً من الثانية كي ندرك أن ما نمسكه هو قطة حقيقية مثلاً وليس دجاجة.
فملمس الفرو وحرارة جسم القطة ووزنها وحركتها تنقله الأعصاب الحسية من أطراف الأصابع إلى مركز اللمس في الدماغ، أما شكلها ولونها وحركتها فينقلها العصب البصـري من العين إلى الفص القذالي في الدماغ، وتنقل أعصاب الشم رائحة القطة من الأنف إلى مركز الشم في الدماغ، أما صوتها فينقله العصب السمعي من الأذن إلى الفص الصدغي الذي يميّز صوت القطة من بين ملايين الأصوات، فيقسم الأصوات إلى ضجيج وأصوات الطبيعة وموسيقى والصوت البشـري يقسمه أيضاً إلى كلام وغيره من الأصوات وكذلك الكلام يميّزه بأية لغة يعرفها ويرسل المعلومات إلى مكان آخر في الدماغ ليترجم معنى الكلمات.
كل ذلك يحدث بسـرعة خارقة حيث تقوم الخلايا العصبية بتناقل الإشارات الكهربائية فيما بينها ومن ثم تحوّلها إلى تفاعلات كيميائية في البروتينات الخاصة بكل حالة منها وتسترجع منها المعلومات من الذاكرة المخزونة على شكل بروتينات في خلايا الذاكرة في قرن آمون وتقوم بمطابقتها مع الصور والأصوات والرائحة والملمس وغيرها لتتعرف على الشـيء الموجود بين يديك، كذلك تقوم خلايا أخرى باسترجاع ذاكرة مشاعرك وعواطفك المخزونة عن الشـيء الذي بين يديك فقد تشعر بالخوف إذا كنت تخاف من القطط أو تشعر بالحزن إذا كنت قد فقدت قطة تحبها في حادث مروّع.
الخلاصة:
ان كل ما نراه ونسمعه ونشمه ونلمسه .... الخ ينتقل إلى الدماغ على شكل إشارات كهربائية تتناقل بين الخلايا العصبية المختصة وتتحول إلى تفاعلات كيميائية وفعاليات حيوية معقدة توّفر معلومات هائلة يتم تبادلها بين الخلايا العصبية لتكوّن لنا الإدراك لما نراه أو نسمعه وما يرافق ذلك من مشاعر وعواطف ومواقف يجب اتخاذها مثل الهروب من غرفة فيها حريق أو القفز بعيداً عن سيارة مسـرعة أو ردُّ السلام على من يسلّم عليك أو الالتفات إلى شخص يناديك أو الابتسامة لشخص تحبه وغيرها من المواقف.
كذلك الدماغ يمكّنك من تمييز تعابير الوجه فيمكنك أن تعرف أن الشخص الذي أمامك حزين أم سعيد أو غاضب أو خائف أو مرتبك، ويمكنك أيضاً معرفة كل ذلك من خلال سماع صوته فقط.
ويمكنك بواسطة دماغك أن تستشعر مشاعر الاخرين ونواياهم تجاهك من خلال نظراتهم إليك ان كانوا ينظرون لك بغضب أو حب أو خبث أو رأفة وكل ذلك يتطلب ملايين العمليات البيولوجية في أجزاء صغيرة جداً من الثانية في تمييز الاختلافات الدقيقة جداً في شكل العين، فما أعظم الخالق الذي أبدع في خلقه فتبارك الله أحسن الخالقين. إن أي خلل في أي جزء من هذه العمليات قد يتسبب في فقدان هذه القدرة على الإدراك وبالتالي فقدان القدرة على اتخاذ المواقف أو التصـرف أو القرار الصحيح وفقدان القدرة على التواصل مع المحيط والتفاعل معه.